قبل ثلاثة أعوام دار جدل في مجتمع الأسافير السودانية حول قصة شخصية تسمي (أحلام حسب الرسول) والتي قِيل حينها بأن السلطات السودانية سجنتها في مستشفى الأمراض العقلية بسبب دعوتها لعودة الإحتلال البريطاني للسودان، والبعض شكك في وجود الشخصية نفسها. المهم؛ أحسست بحُسن وجهة نظر السيدة أحلام حسب الرسول عندما طالعت تصريحات المشير عمر البشير في برنام أتجاهات على التلفزيون المصري والتي قال بأن بريطانيا جعلت خط السكة الحديدية واسع في مصر وضيق في السودان حتى لا يتواصل البلدين!!!
الدولة السودانية بعد الإستقلال لم تقم بإضافة متر واحد على السكة الحديدية التي أنشأتها بريطانيا في بدايات القرن الماضي، ونحن نلوم بريطانيا على إستعصاء مشاكلنا الداخلية، ونحن نلوم العالم على الوضع المزري الذي يعيشه السودان، والذي هو من سؤء عمل يدنا نحن. في مسقط رأسي المباني الإدارية التي تركها الإستعمار قبل 60 سنة لا تزال تحت الخدمة، فبدلاً أن يتم إخلاءها والتعامل معها كآثار تاريخية لا نزال نفيأ ظلالها ونلعن أبو الإستعمار الذي بناها، ولم تقم الحكومات المتعاقبة حتى بمحاولة ترميمها.
في مؤتمر بادونغ الشهير عام 1955 قام الزعيم نهرو بإلقاء الخطاب المعد للمؤتمر وإرتجل خطاباً من وحى ما سمعه من المتحدثين السابقين. قال نهرو بأن متحدثي حركات التحرر من آسيا وإفريقيا ذكروا كلمتي "الإستقلال والحرية" الآف المرات ... متحدث رودسيا الجنوبية ذكر كلمة (الحرية) خمسة وأربعون مرة خلال خطابه الذي لم يدم أكثر من 12 دقيقة! قال نهرو للزعماء الأفارقة والأسيويين بأن إستلام الحكم من الإستعمار يحتاج لبرنامج دولة وطنية ووعي إفتقده في خطاباتهم. صمت الجميع وبعد إنتهاء جلسات المؤتمر حرص الزعماء على التأنق من أجل الصور التذكارية وضاع صوت نهرو وسط التصفيق الحار.
في كل يوم أسمع البشير متحدثاً عن الوحدة والوطنية وبقية الشعارات الجوفاء أشعر بأننا في بلد يعيش حالة كاملة من التيه والضياع، بلد مرتبك شأن هويته الوطنية، بلد يخاف من النظر لحقيقة تاريخه، إننا في بلد لا يعرف ماذا يريد وإلى أين يريد الذهاب. جربنا كل ما يمكن تجريبه، وفي كل مرة نعود إلى المربع الأول. كل صباح أتذكر أحلام حسب الرسول، وذلك النائب الوحيد في الجمعية التأسيسية الذي رفض رحيل الإستعمار الإنجليزي عام 1955 وذلك لقوله إن السودانيون لا يملكون الوعي والقدرة على إدارة أنفسهم، وكل يوم يتأكد لي صحة كلام الرجل، فنحن نحتاج لسنوات طويلة حتى يمكننا أن نتوصل لطريقة صحيحة لإنجاح جمعية تعاونية.
و... تيت تيت السكة حديد
و... تيت تيت السكة حديد
No comments:
Post a Comment