Saturday, May 26, 2012

وقفة مع السلطة الخامسة ... حاضر ومستقبل صحافة المواطن في السودان

طلال الناير

المقدمة:
تُعتبر التكنولوجيا أحد أوجه تطور الإنسان وتقدمه. وإذا عرّفنا التكنولوجيا في أبسط صورة فهي الإستخدام البشري الواعي للأدوات والمواد الخام والأنظمة. وربما يكون إستخدام الإنسان الحجري للصخر كأدوات كنقطة بداية مطلقة للتأريخ للتكنولوجيا. وربما تكون الكتابة على الصخور وجذور الأشجار هى أول وسائل الإعلام في التاريخ. قام اليونانيون بإبتكار مصطلح (تكنولوجيا) للتعبير بشكلٍ عام عن العلوم المفيدة، وظل المصطلح بهذه الصورة العامة حتي بداية القرن العشرين حتى كتب عالم الاجتماع ريد براين أن "التكنولوجيا تتضمن جميع الأدوات، الآلات، الآنية، الأسلحة، الأجهزة، الكسوة، سبل التواصل، وأجهزة النقل، والمهارات التي ننتج بفضلها ونستعملها."، وأصبح الأكثر شيوعاً بيين دارسي علم الإجتماع. (1)

يُعرف بيرنارد ستيغلر التكنولوجيا بأنها "السعي وراء الحياة بطرق مختلفة عن الحياة"، وهو ما يقودنا للبحث عن ظواهر وتفاصيل هذه الحياة. البعض يعتبر بأن إستخدام التكونولوجيا في حد ذاته هو مقياس للرقي والحضارة، ولكن هذه الحضارة تصبح بلا معني بدون النظر لتوجهات التفكير البشري وإستخداماته للتكنولوجيا. المخرج الجنوب أفريقي جيمس أويس صور فيلماً كوميدياً وضع في مقدمته مقاربات سريعة للمقارنة بين وعي مستخدمي التنكولوجيا المتقدمة والبدائية. يقول أويس في ملخص اللقطات بأن كل العلوم والتكنولوجيا المتقدمة التي يمتلكها الرجل الغربي لن تساعده في العيش في صحراء كلهاري بدون ماء مثل قبائل البوشمن التي تستطيع إيجاد المياه بوسائل مبتكرة ومدهشة قد لا تخطر للرجل الأوروبي الذي قد يعتقد إمتلاكه للمعرفة الكاملة بمجرد معرفته بإحداثيات الكون ومواقع المجرات، وأظهر أويس بأن ركوب الطائرات وإستخدام الهاتف والفاكس جعل الحياة أكثر تعقيداً، والكون أكثر تلوثاً. الأدوات الحجرية والخشبية تمثل قمة تطور التكنولوجيا عند قبائل البوشمن التي تمتلك نظاماً أكثر وعياً بالبيئة يجعلهم لا يصطادون الحيوانات إلا للحالات القصوى، والصياد من قبائل البوشمن يمتلك من الوعي الذي يجعله يقدم أسفه وإعتذاره العميق لطريدته لأنه أضطر لإصطيادها وأكلها. (2)

الفيسلوف الأنجليزى ألدوس هُكسلى فى رائعته Brave New World صوّر حال الإنسان في دولة يوتوبيا الفوردية التي تستغل السلطة فيها التكنولوجيا ببشاعة لتجعل أعضاء الحكومة العالمية فى مكانة الآلهة فيخلقون من خلال التكنولوجيا بشراً بالمواصفات البدنية والعقلية التى يحبونهامن خلال فقاسات صناعية عملاقة، بشر راضين عن وضعهم الطبقي والإقتصادي الذي وضعته الدولة العالمية لأي مواطن، حتي قبل أن يولد. فعليا،ً لا يستطيع إنسان ذلك الزمان المستقبلي معرفة معني الفوارق الطبقية أو إدارك أي شئ في العالم بعدما قامت الحكومة العالمية بترويضه عن طريق الجنس والمخدرات وغسيل الدماغ الصعق الكهربائي. (3) في هذه الرواية يعكس لنا هُكسلي وجهة نظر مفادها بأن إمتلاك التكنولوجيا في حد ذاته لا تجعل العالم يتقدم، فالمفصل هنا هو إمتلاك القيمة الإنسانية النبيلة.

التكنولوجيا والتغيير:
يرجع أصل كلمة media التي تستخدم كمرادف لكلمة الإعلام إلى كلمة medium، وهو مصطلح يعني "وسيلة". الإعلام مؤسسة طويلة الأمد تقوم بدور في توجيه مزاج المجتمع، مثله مثل أي مؤسسة أخرى كمؤسسة الدين، التعليم، والأسرة وغيرها. وهو يساهم في تشكيل الهوية الجماعية وتوجيه المواقف تجاه مؤسسات أخرى كالمؤسسة السياسية، ما يؤدي لنشوء صراع قد تكسبه المؤسسة السياسية، أو مؤسسة الإعلام. هناك علاقة وثيقة بين الحركات التغيير وتطور وسائل الإتصالات والتكنولوجيا. بدأت عام 1984م الثورة السلمية ضد الديكتاتور الفليبيني (فردناند ماركوس) وأستمرت لمدة ثلاثة سنوات متتالية قام فيها ناشطو "ثورة سلطة الشعب" بإشغال فتيل الثورة السلمية عبر الإستفادة من خدمة الهاتف وهو ما جعل ماركوس يفر مع زوجته إلى جزيرة هاواي عام 1986م، عام بداية الجمهورية الخامسة التي تحكم الفلبيين منذ ذلك الوقت وحتى الآن. ساهمت خدمة الرسائل القصيرة، بالإضافة للهروات الخشبية في الإطاحة بالرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش عام 1999م.

قام الإيرانيون بإنقلاب على الشاه الإيرانى فى العام 1979م، إلا الدور الأكبر فى الثورة لم يكن لقوات عسكرية أو مليشات لمقاتلة نظام آل بهلوى، بل كان مرجع الأمر إلى أشرطة الكاسيت التى تحتوى على خُطب الخمينى القابع فى باريس. وللمفارقة، فقد كادت التكنولوجيا أن تُسقط حكومة الملالي الإيرانية عن السلطة؛ وتحديداً من خلال موقع تويتر الذى أستخدمه أنصار المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي فى التحضير والتنسيق لإحتجاجاتهم على تزوير الإنتخابات عام 2009م. عندما أنشأ مارك زوكربيرج موقع الفيسبوك تخيله فى البداية سيكون مجرد منتدى صغير للتواصل بين طلاب جامعة هارفرد، ولكن شيئاً فشيئاً تضخم الموقع بصورة غير متوقعة فأضحى الآن يضم بين جنباته مليار إنسان دفعة واحدة. فأضحى الموقع نقطة تحول فى تاريخ الأنترنت والتاريخ البشري وساهم في تغيير الكثير من مفاهيم العلاقات الإجتماعية، وتجاوز بعض مستخدميه مرحلة الدردشة ليجعلوه سلاحاً ثورياً فتاكاً ساهم بعالية في تغيير الأنظمة السياسية في منطقة الشرق الأوسط فيم يُعرف بـ(الربيع العربي).

السلطة وصحافة المواطن:
يُفضل البعض قصر تعريف صحافة المواطن بأنها صحافة الإنترنت، ولكنني أراها أكثر إتساعاً لتشمل كل الأنشطة التي يتم تشاركها بواسطة وسائل الإعلام، فأنا أعتبرها أي نوع من الأنشطة الإعلامية الصحفية التي تقوم بجمع جمع و نقل و تحليل و نشر الأخبار و المعلومات من أجل رفع الوعي الشعبي. وهذا الإعلام نشأ كظاهرة معقدة نتيجة للتطور التكنولوجي الذي يجعل وسائل الإعلام الكلاسيكية أقل كفاءة ً في نقل الأخبار من جهة، وتطبيق عملي للتمرد على أدوات الإعلام التي أصبحت في يد الحكومات وحلفائها. مثلت ومازالت تمثل حرية الصحافة ثيرمومتير لقياس لصحة وإعتلال الممارسة الديموقراطية لأي نظام سياسي، وبمقدار ضمان هذه الحرية يتم فرز الأنظمة وتصنيفها إلي ديموقراطية أي شمولية. إعتبر وليم هازلت بأن الصحافة هي "السلطة الرابعة" إلي جوار السلطات الثلاثة التقليدية في أوروبا القرن التاسع عشر؛ الملك والكنيسة والسلطة البرلمانية الجديدة. لقد إبتدع هازلت مصلطح السلطة الرابعة عندما كان يتابع نقاشاً بين أعضاء البرلمان الإنجليزي، فلمح مندوب إحدي الصحف وقال: "... وهذا هو ممثل السلطة الرابعة!"، قاصداً بذلك التأثير علي تحريك الجماهير!

مصطلح (السلطة الرابعة) لم يكن دوماً بالصورة الإيجابية التي يتصورها البعض الآن، فالصحافة حينها كانت الوسيلة الأنجع والأسرع في إثارة الغوغاء والرعاع من الجماهير وتهييجها في وجه السلطات الثلاثة، السلطات الثلاث إستشعرت خطر هذه القوة الجديدة فسعت حثياً للسطرة عليها، وهو ما حصل بالفعل في أكثرية دول العالم. لاحقاً أصبحت الصحافة الورقية المنافس الأكثر ضعفاً في الميدان الإعلامي في وجود منافسين أكثر ديناميكية وقدرة علي التجديد والإبتكار؛ فالتلفزيون والإذاعات لها الأسبقية علي الصحف في إيراد الأخبار ولها دائرة تأثير أكبر. والطبع كانت هذه الوسائل أيضاً تحت السيطرة الحكومية التي بدأت بالتصدع بعد ظهور الإنترنت الذي إنعتق بواسطته الكثيرون من سلطة الإعلام الرسمي، بل وإزدهرت صحافة المواطن التي جعلت رجل الشارع سلطة رابعة بالمعني الحرفي للكلمة، ولكن للدقة والترتيب فأنه بإمكاننا إعتباره السلطة الخامسة!

تقريباً، توجد في دساتير كل دول العالم نصوصاً رائعة عن حرية الصحافة، إلا إن فوبيا العلاقة بين الصحافة والسلطة الحاكمة إدت إلي فقدان الثقة بين الطرفين، ووهو ما أفقد الجماهير حقها في تملُّك المعلومات. ومع مرور الوقت خرج المواطن العادي من هذه الدوامة وأصبح غير مقتنعاً بوضعه التقليدي كمتلقي سلبي للأخبار ومتابعتها، فأصبح يمتلك القدرة في صنع الأحداث نفسها من دون الحوجة للخضوع للسلطة الحاكمة التي فقدت إمتيازاتها التاريخية وسيطرتها على وسائل الإعلام التقليدية، فمواقع الإنترنت تتيح لأي شخص أن يكتب فيها أراءه بحرية، ومن خلال جهاز الموبايل أمتلك الكثيرون المقدرة على تسجيل ملفات فيديو يتناول محتواها الشئون الشخصية ليتسع إلى الأوضاع السياسية والشئون الدولية، وقد أصبح هذا الإعلام من الديناميكية بحيث حاولت الحكومات السيطرة عليه من خلال قطع الإنترنت وحظر المواقع، وأحياناً إعتقال وإغتيال المشاركين في هذه الثورة التكنولوجية. صحافة المواطن حوَّلت المستخدمين السابقين إلى منتجين جدد رسائل إعلامية، وحققت لهم مفهوم الجمهور النشط بكافة أبعاده، ورفعت من محتوى المعلومات بشكل ليس له مثيل في التاريخ البشري، كماً ونوعاً. الغالبية العظمى من الناشطين في صحافة الإنترنت لا يرجون من نشاطهم الكسب المادي، وإنما عرض وجهة النظر والتعبير عنها، وإستمالة الناس نحوها لتأييد أطروحاتهم السياسية والإجتماعية وحشد الدعم لخلفياتهم الأيدولوجية. الجانب التطوعي في صحافة المواطن جعل هؤلاء النشطاء يخرجون بصورة شبه كاملة عن السيطرة، خصوصاً من جانب سلطة المال التي تحرك الصحافة، فيصبح هنا (الضمير) هو السلطة الأخلاقية العليا عند هؤلاء النشطاء الإعلاميين الجدد.

صحافة المواطن في السودان:
يقول أحمد آدم عن مفهوم السلطة: " كثيرا ما يختلط مفهوم السلطة مع مفهوم الدولة، رغم أن الأمر ليس كذلك بالضرورة ، فالدولة سلطة ولكن ليست كل سلطة دولة ، بمعنى أن السلطة لا توجد فقط كأجهزة ومؤسسات سياسية وادارية (أجهزة الدولة) بل نجد السلطة متشابكة داخل النسيج الاجتماعي كما يذهب الى ذلك ميشيل فوكو عبر مساهمته في تقديم ممهدات فكرية تحض على اخراج النظر النقدي لاستراتيجيات السيطرة ومقاومتها من المنظومة التقليدية المتوارثة والدائرة على تعقل الظاهر في علاقات السلطة ، كي يخوض في باطن هذه العلاقات بالاستناد الى أعمال محللين وفلاسفة مثل فرويد ، نيتشة وماركس....".(4) ولا يمكننا قراءة واقع صحافة المجتمع بدون دراسة مفهوم السلطة وتقييم علاقة الحكومات العسكرية والحركات المنادية بالديموقراطية في السودان. قال الناشط السياسي حسان الحاجبي من تونس: "هل يجب علينا أن نسميها صحافة المواطن؟ هذه الصحافة ليست لنقل الأخبار، وإنما لصناعة البديل السياسي ... إنها صحافة المقاومة!".(5) وعلى ضوء إتفاقي مع حسان فيمكنني إعتبار تجربة صحافة المواطن في السودان جزء لا يتجزء من مسيرة النضال من أجل إسترجاع الديموقراطية في البلاد، وهنا يتعاظم دور المنسبين للسلطة الخامسة كحركة تغيير إجتماعي وسياسي ينظر إليها البعض بشغف، والبعض بريبة وتوجس.

بعد إستيلاء الجبهة القومية الإسلامية على السلطة عام 1989م بإنقلاب عسكري قامت بمصادرة وإغلاق كل الصحف وأصبحت تتحكم في الإعلام بصورة كاملة. ولكن هذه السيطرة بدأت تضعف مع دخول الإنترنت للبلاد. في البداية لم يكن هناك شكل واضح للعمل السياسي من خلال الإنترنت، ولاحقاً شكل ظهور المنتديات الإلكترونية مثل (الراكوبة)، (سودايز أونلاين)، (سودان فور أول)، (سودانيات) وغيرها بوابة جديدة للإعلام الجديد الذي يضم كذلك المدونات ومواقع التوصل الإجتماعية. من خلال هذه المواقع تبدلت العديد من المفاهيم السياسية وبدأت تشكل قوى جديدة بمفاهيم مغايرة أخذت في عاتقها التغيير الإجتماعي والسياسي. الأجيال الجديدة إستشعرت مسئولية التغيير لتعرفها على الفرص المفتوحة التي يتيحها الإعلام الجديد الذي عزز الترابط والتكامل بين أفراد المجتمع الذين أصبحوا يتبادولون الحوار المباشر بطريقة لم يعتادوها من قبل، وهو ما رفع أيضاً من إحتمالات التصادم بين مكونات المجتمع التي ظلت الحكومات تسيطر عليه وتحاول إخفاء الفروقات الطبقية والثقافية بين أفراده من جهة، وبين هؤلاء الأفراد والحكومة من جهةٍ أخرى، وبين الأفراد والتنظيمات السياسية من جهة ثالثة. ومن خلال الإنترنت أستطاع بعض الناشطين إبراز فجوات في جسم الأحزاب الأحزاب السياسية (حكومةً ومعارضةً) لم تكن لتحدث لولا إنتشار الإنترنت، وهي في نهاية الأمر ظاهرة صحية، فتجربة العمل السياسي من خلال الإنترنت بكل ما فيها من سلبيات قادرة على إنضاج تجارب الأحزاب السياسية والأفراد في سبيل بناء ديموقراطية في ظل إنغلاق ساحة العمل السياسي المباشر.

مثّل الإنترنت وتكنولوجيا الكمبيوتر والهواتف النقالة والكاميرات الشخصية عماد صحافة الإنترنت فهي قد فتحت أبواباً للتحرر من سطوة الإعلام الموجه. وقد قام بعض الناشطين في الإنترنت ببث مواد صحفية شكلت هزات عنيفة لدى النظام الحاكم الذي كان دوماً يسخر من الناشطين السياسيين على الإنترنت فأطلق عليهم ألقاباً يتندر فيها منهم، مثل (مناضلي الكيبورد) و (المناتلين)، ولكن الضربات الموجعة التي وجهه هؤلاء النشطاء جعلت الحكومة تعيد النظر مرتين قبل أن تسخر منهم ومن دورهم الضعيف في التأثير على الساحة السياسية السودانية!

عقب فشل هجوم حركة العدل والمساواة على مدينة أمدرمان يوم 10/5/2008م قامت الحكومة السودانية بحملة أمنية في العاصمة قائمة على تنميط عنصري جعلت جهاز الشرطة يلقي القبض على كل من يحمل سحنة سكان غرب السودان وقامت الحكومة بإطلاق شائعة بأن الحركة الدارفورية المسلحة هجمت على العاصمة الوطنية بمساعدة مرتزقة من دولة تشاد! أظهر شريط فيديو مسرب الإهانات العنصرية التي لقيها أطفال مشردون تم القبض عليهم عقب الأحداث، وأظهر الفيديو الذي تم تصويره بموبايل التعذيب الجسدي القاسي لأطفال قاصرين.

من خلال مواقع الإنترنت قام نشطاء بطرح تغطيات وتقديم مستندات شكلاً إحراجاً للحكومة، وللصحافة الرسمية المتمركزة حول المكاتب والتي تعجز عن مواكبة الأحداث وتغطيتها وإعادة نشرها بدون موافقة الحكومة العسكرية. ففي العام 2011م قام جعفر حضر من خلال موقع سودانيز أونلاين بنشر ملفات تخص قضية فساد أكاديمي ومالي في جامعة القضارف وذلك عقب نشره لمستندات القضية وهو ما جعل القضية تخرج من الموقع الإلكتروني ليتم نقل القضية إلى أروقة القضاء ومحاكمة جعفر خضر.

من خلال موقع اليوتيوب شاهد مئات الآف لقطات الفيديو الذي سُجل من خلال موبايل في ساحة قسم الكبجاب بمدينة أمدرمان، يظهر في الفيديو الجلد العلني القاسي لفتاة بسبب إرتدائها البنطلون الممنوع حسب قوانين الشريعة الإسلامية في السودان. صراخ وعويل الفتاة أيقظ كل العالم، ومع سرعة إنتشار الفيديو زاد غضب الحكومة السودانية ذات السجل السئ في مجال حقوق الإنسان. السجل الذي تخطي مرحلة التعذيب المنهجي والإعتقال ليصل سقف الإنتهاكات فيه لدرجة توجيه إتهامات المحمكة الجنائية الدولية الإبادة الجماعية والقيام بجرائم ضد الإنسانية لرئيس الجمهورية السودانية. ومن خلال مواقع الإنترنت وصفحات الفيسبوك والمدونات إنتشر تسجيل صاعق للفنانة التشكيلية والناشطة السياسية صفية أسحاق تتحدث فيه عن تجربتها المريرة مع أفراد من جهاز الأمن والمخابرات الذين قاموا بإغتصابها بصورة جماعية في مكاتبهم في مدينة الخرطوم بحري وذلك لمشاركتها في مسيرة 30 يناير 2010م. بعض المواضيع سبب إحراجاً للرئيس البشير رغم طرافتها، ومنها مقطع فيديو مسرب يوضح الرقص الحماسي للرئيس السوداني مع مجموعة من الفتيات في إحد الأعراس. فإذا تجاوزنا طريقة رقص البشير التي تفتقد للوقار والتناسق الحركي، فسبب الضحة حول الفيديو أن الرقص المختلط ممنوع بأمر قانون النظام العام، وليصبح الرئيس مخالفاً للقانون الذي سنته يده، وكذلك لتزامنه مع حروب عنيفة نتج عنها مئات الآلف من القتلى والجرحى الذين لم تقدم لهم الحكومة مجرد كلمة إعتذار أو أي بادرة للتضامن معهم!

هذه القضايا لم ولن يكون بمقدور المواطن العادي مشاهدتها أو حتى المعرفة بها من خلال وسائل الإعلام الحكومية، فنشطاء الإنترنت يقومون بالتركيز على تصوير ونقل الأحداث من الزوايا التي تهملها الصحافة إما تغافلاً أو تواطؤءً، أو نسبة لبعدها عن ساحة الحدث ساعة وقوعه، وهو ما يعطي صحافة المواطن دوراً تكميلياً لبقية وسائل الإعلام، وتمكين المتلقي من تشكيل صورة كاملة حول ما حدث، من الجانب الصحافة التقليدية والصحافة الرقمية. نشطاء صحافة الشارع السودانيون يقومون بكتابة ورسم وتحليل الأحداث وإعادة تقديمها إلى الجماهير من وجهة نظرهم الخاصة، وبطرق تفقد أحياناً للجودة الإحترافية التي تتمتع بها وسائل الإعلام التقليدية. وهذا الشئ جعل البعض يكيل الإتهامات إليهم بأنهم يعملون بطريقة متهورة وغير واعية بالتعقيدات العرِقية والدينية والمشاكل السياسية في السودان، وأحياناً يتم إتهام الناشطين بالتزوير والفبركة والتدليس، وكذلك الإنجراف الأعمي لإرضاء الخلفيات السياسية والقناعات الأيدولوجية على حساب (المصلحة الوطنية). ويصنّف البعض صحافة المواطن ضمن الصحافة الصفراء وذلك لجنوحها إلى الإثارة وعدم إمتثالها لضوابط العمل الصحفي التقليدي الذي يقتضي التحري من صدقية الأخبار والتدقيق في المصادر.

لمصلحة تطور صحافة المواطن فأنه يتطلب علينا النظر لملياً لهذه الإتهامات ومحاولة الرد عليها، فهي وإن كانت كيدية ولكنها تحمل جانباً من الصحة، فانفصال أدوات الإتصال عن أي قيم أو ضوابط مجتمعية يجعل من الحرية المتاحة فوضى مدمرة. فأي مجتمع بشري له قواعده التي تضبط حدود التفاعل بين أعضاءه، وهو أحياناً ما قد نفتقده في الإنترنت الذي قد يصبح أداة تدميرية كاسحة أو وسيلية تعليمية هي الأفضل في تاريخ البشرية. وعينا بالطبيعة المزدوجة للإنترنت تجعلنا نستصحب حديثنا في المقدمة عن ألدوس هُكسلي ورؤيته للتكنولوجيا فقط لا تجعل العالم مكاناً أفضل بدون القيم الإنسانية.

هوامش ومراجع:
(1) Read Bain, Technology and State Government, American Sociological Review, Issue No.2, December 1937
(2) Jamie Uys, The Gods Must Be Crazy, Part 1, 1980
(3) طلال الناير، كابوس ألدوس، المدونة، 6/1/2012م
(4) أحمد آدم، جدلية الشيخ - الحوار- العبد في المجتمع السوداني، موقع سودان فور أوول، 25/5/2008م.
(5) حسّان الحاجبي، ملتقي نسيج للإعلام ووسائل التعليم البديلة بمدينة شرم الشيخ،  جلسة صحافة المواطن، 18/5/2012م.



Wednesday, May 23, 2012

King Alfred the Great



Alfred the Great (849 – 26 October 899) was King of Wessex from 871 to 899.

Saturday, May 5, 2012

RIP Rashidi Yekini (1963-2012)




I am feeling sad. The Nigerian Superstar Rashidi Yekini passed away yesterday. He is one of the best footballers in Africa. When I was young football player Yakini was my football icon, and he was the beloved of millions in Africa and many places all around the world. Rashidi scored 37 goals for Nigeria's national, and he honored to score the Nigeria's first-ever goal in a World Cup against Bulgaria in 1994. I felt sorry to know the he suffered of suffer delusions, a neurological illness.

RIP Rashidi Yekini

Wednesday, May 2, 2012

مختصر المحكي من تاريخ آل المهدي

عندما نتأمل تطور الطائفية في السودان يحضرنا حديث أنجلز عن الدين؛ كان فريدريك أنجلز كان يري بأن الظاهرة الدينية وعلاقاتها التمثيلية تتعرض لتحولات مختلفة على مر العصور، فالدين ينشأ أولاً بوصفه ديانة للعبيد والمسحوقين، ثم بوصفه أيدولوجيا ملائمة للهيراركية الإقطاعية، وأخيراً بوصفها أيدولوجيا تتميز بالتكيف مع المجتمع البرجوازي. محمد أحمد المهدي على سبيل المثال كان رجلاً فقيراً أتخذ من الدين كغطاء لثورة سياسية على الحكم التركي المصري، وقد ذكر المؤرخ نعوم شقير أن الجنرال الإنجليزي "تشارلز غوردون قال بإن المحرك الأساسي للثورة المهدية ضد الحكم التركي المصري لم يكن دينياً من الدرجة الأولى بل كان المحرك الرئيس هو الغضب الشعبي من الضرائب وقسوة وجشع المسؤولين وعسكرهم وفساد نظام الحكم. وقال إن الدين لم يكن إلا الغشاء الخارجي لهذه الثورة الشعبية التي أزاحت الحكم التركي المصري.

محمد أحمد المهدي

تأسست أغلبية الأحزاب السياسية السودانية على أسس طائفية دينية أو جهوية، وقد إستفاد بعضها من تجارة الرق التي شكلت عماد العلاقات السياسية والإجتماعية والإقتصادية في السودان، وقد كانت أسرة محمد المهدي (راعية حزب الأمة)، وأسرتا الميرغني والهندي (رعاة الحزب الإتحادي) من الأسر الدينية الكبيرة التي إستفادت من علاقات تجارة الرق وكونت من تراكم رأسمال هذا التجارة إمبراطورية كبيرة، فهى قد أستفادت من الدين بشكل حاسم من أجل إبتزاز المتدينيين البسطاء الذين تنازلوا عن أراضيهم من أجل إرضاء السيدين. بالرغم من إدعاء محمد أحمد المهدي بأن حركته كانت ثورة تحرير إلا أن أولاده وأحفاده أستغلوها لإستعباد وإسترقاق الآخرين. وقد شاركهم آل الميرغني وآل الهندي في هذا الأمر، وقد وقفوا ضد مقترح "مصلحة مناهضة الرق"، والذي للمفارقة قدمه الإستعمار ورفضه من يُفترض بأنهم رعاة الحركة الوطنية ودعاة الإستقلال وقادة الحرية![1]

الإمام عبدالرحمن و أبنه صديق والد السيد الصادق المهدى و المؤرخ عبد الرحمن علي طه

 أسرة محمد أحمد المهدي لاحقاً أستغلت مكانته وبدأت بتكوين إمبراطورية من الممتلكات الإقطاعيات، والآن هذه الأسرة تعتبر من أعمدة المجتمع البرجوازي السوداني! أسرة الصادق المهدي إحتكرت كل المناصب في الحزب الذي أصبح من ممتلكات الأسرة. من الأمثلة البائنة على مِلكية الخاصة لحزب الأمة بصفة إحتكارية هى حادثة رفض أحمد المهدي وعائلته لدفن د. عبد النبي علي أحمد في قبة المهدي. رفضوا دفن الرجل الذي أخلص في خدمة الحزب والأسرة وذلك لأنه أقل مرتبة من أشراف القوم. وفي نفس الوقت يطالبون الأنصار بالموت في سبيل بقائهم في سدة الحكم! وفي المقابر تصارع القوم حول الجثمان "حتى إنكسرت كراع العنقريب" وقارب الجثمان من السقوط على الأرض! عنصرية آل المهدي جعلتهم يرفضون دفن د. عبد النبي (الدافوري) إلى جوار جدهم؛ محمد أحمد المهدي، الذي تزوج بالسيدة (مقبولة) التي أنجبت له أبناءه، والتي أصولها الدارفورية!

الحاجة مقبولة زوجة المهدي
 تَذكُر المصادر التاريخية بأن عبد الرحمن المهدي شن هجوماً كبيراً على علي عبد اللطيف قائد ثورة 1924م إبان تلك الأحداث نظراً لأنه ينتمي إلي النوبة الميري من ناحية والده وإلى قبيلة الدينكا من ناحية والدته! وتسألت الصحيفة الحضارة المملوكة لعبد الرحمن المهدي: "لقد أهينت البلاد لما تظاهر أصغر وأوضع رجالها دون أن يكون لهم مركز في المجتمع بأنهم المتصدون والمعبرون عن راي الامة... من هو على عبد اللطيف الذي أصبح مشهوراً حديثاً والى أي قبيلة ينتسب؟"![2]. فتأملوا المفارقة!

صورة لأعضاء جمعية اللواء الأبيض ويظهر علي عبد اللطيف الثاني من ناحية اليمين


تكون مؤتمر الخريجين عام 1938 بعد الإستجابة لمقال كتبه خضر حمد في صحيفة (السودان)، وكانت نواة المؤتمر خريجي كلية غردون التذكارية والكليات الأجنبية الأخرى. إستفادت الأسر الطائفية من إنشقاق مؤتمر الخريجين عام 1945 وقامت من خلالهم بإنشاء حزب الأمة في فبراير من العام 1945م تحت رعاية عبد الرحمن المهدي، ولم يكن لحزب الأمة رئيس حتى تم انتخاب السيد الصديق المهدي رئيساً في 1950م. وبالرغم أن الحزب قد ضم جناح مؤتمر الخريجين المنادي بالاستقلال الكامل من دولتي الإحتلال الثنائي (مصر وبريطانيا) تحت شعار (السودان للسودانيين)، إلا أنه كان الحزب الأول الذي قام بإنقلاب على الديموقراطية الأولى عندما سلم عبد الله بك خليل (أول سكرتير عام لحزب الأمة) السلطة إلى الجيش قبل أن تحل الذكرى الثانية للإستقلال. قصة الإنقلاب العسكري الأول في البلاد كان قصة مبكية مضحكة، فالكثير من المصادر التاريخية تُشير إلي إلحاح سكرتير حزب الأمة (عبد الله خليل) علي (عَبّودْ) لكي يستلم السلطة ولكنه كان يرفض، فقال له (عبد الله خليل) بأن هذه هي إرادة "أسياد البلاد". بعدها سُئل (عَبّودْ) عن حركة 17 نوفمبر، هل هي إنقلاب أم ثورة؟ فقال (عَبّودْ)  بكل بساطة أن نظامه هو حكومة "تسليم وتسلم"! ذكر عبود للجنة التحقيق التي شُكلت للتقصي في وقوع انقلاب 17 نوفمبر: "قبل أيام من استئناف البرلمان لأعماله، اتصل بي رئيس الوزراء عبد الله خليل، وأخبرني أن الوضع السياسي يسير من سئ إلى أسوأ، وأن أحداثاً خطيرة ومهمة قد تنشأ نتيجة لهذا الوضع، ولا يوجد مخرج غير استلام الجيش للسلطة."

الجنرال إبراهيم عبود

الإمام الصادق المهدي، آخر رئيس وزراء شرعي للبلاد أصاب الشعب السوداني في مقتل. لقد كان الشعب ينتظر القرار الحاسم من الصادق الذي أقسم علي حماية الدستور والديموقراطية في البلاد بقيادة إنتفاضة شعبية تهدف إلي إرجاع السلطة للجماهير من حكومة العسكرتارية. رئيس الوزراء المنتخب خذل الجميع وتخاذل عن حماية الدستور والديموقراطية في البلاد ، وبدلاً من أن يتصدر الصفوف ويقف بصدره في وجه المدافع والبنادق التي قتلت ناخبيه في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، ومن قبلهم في جنوب السودان. الصادق المهدي لم يقم بأي رد فعل علي الأنباء الواردة عن الإنقلاب العسكري الذي سمع تسريباته الباعة الناس في الأسواق! كتب كمال الجزولي مقالاً[3] يتحدث فيه عن عرض الترابي للمهدي بالإنقلاب عسكرياً علي النظام الدستوري في مارس 1989م عن طريق أحمد سليمان القيادي في الجبهة القومية المشاركة حينها في حكومة الوفاق الإئتلافية. وإن كان مضمون رواية كمال الجزولي هو رفض المهدي لعرض الترابي إلا إن هنا العديد من الشكوك التي تحوم حول هذا الأمر. العميد عبد الرحمن فرح تحدث عن معرفة الصادق المهدي بأنباء الأنقلاب العسكري للإسلاميين الذي إنتشرت الإشاعات عنه عقب صدور مذكرة الجيش في يوم 20 فبراير 1989 لمجلس السيادة، أي قبل أربعة أشهر كاملة من وقوع إنقلاب 30 يونيو 1989! وقع محمد عثمان الميرغني إتفاقية سلام مع زعيم الحركة الشعبية لتحرير "جنوب" السودان في العام 1988، ولكن الغيرة السياسية والمكسب الحزبي الضيق تمكنت من الصادق المهدي ومنعته من رؤية البعد الإستراتيجي للإتفاقية، وقد قال عبد الحمن فرح بأن الصادق قرر إغتيال قرنق بمساعدة عناصر من حركة فتح الفلسطينية والحرس الثوري الإيراني في بدايات العام 1989م[4]. شوقي بدري رجح إحتمال قيام الصادق بالتخطيط لإغتيال قرنق وذلك بإسترجاع قصة العميد محمد نور الذي أستدعاه الصادق من برلين لقيادة العملية العسكرية عام 1976م، وذلك بعدما تلك الجيش. وكانت خطة إغتيال النميري عن طريق نسف الطائرة الرئاسية عن طريق مدفع البازوكا، وقد نجا النميري بعدما حضر مبكراً للمطار قبل موعد طائرته، وإثر تضارب الزمن تم تنفيذ الخطة وقُتل إثر ذلك ركاب الطائرة! ذكر شوقي بأن الصادق المهدي كان يعلم بإنقلاب 25 مايو 1969م ولكنه كان مستهتراً به عندما قال للصحفي محمد سعيد محمد الحسن: "... العساكر إتأدبوا بعد أكتوبر و ما ممكن يعملوا أي انقلاب!"[5]. إدعاءات الصادق بعدم لجوءه للعنف تم نفيها بمذكرات أبن عمه الفاضل عبد الله المهدي في صحيفة التيار والتي نقل فيها تفاصيل لقاءه بالصادق المهدي الذي قال: " نظام نميري لا يريد الحوار ولا يعرف الا لغة العنف ولا سبيل من التعامل معه الا بالمثل"![6].

المشير جعفر محمد نميري

ورغم كل الكراهية التي يُظهرها الصادق للنميري إلا إن هذا لم يمنعه من مصالحته في عام 1977م وذلك بالرغم من أن نظام مايو قام بضرب الأنصار بالطيران المصري في الجزيرة أبا في 27 مارس 1970م، وتسبب في مقتل الإمام الهادي إمام الأنصار في حوادث الكرمك! والأنكئ بأنه قام بحل حزب الأمة من أجل المصالحة مع نميري وأصبح الصادق عضواً في الإتحاد الإشتراكي لنظام مايو!

حب الصادق المهدي للسلطة والزعامة يدفعه لفعل أي شئ. فهو قام بأول إنشقاق تاريخي في حزب الأمة عندما تمرد على عمه الإمام الهادي المهدي وطالبه بالتنحي من الزعامة السياسية للحزب والإكتفاء بالزعامة الدينية لطائفة الأنصار. دارت الدوائر ومات الإمام الهادي ليقبض الصادق على الزعامة السياسية والدينية، ومرت السنوات وطالبه أبن عمه مبارك الفاضل المهدي بالفصل بين الزعامة السياسية والدينية، وكان رد الصادق المهدي بالرفض المطلق. حُب الصادق المهدي للسلطة جعله سبباً في شق أي تحالف يدخل فيه، فهو لا يرى إلا القيادة والسيادة. لهفة الصادق المهدي للسلطة جعلته ينسي أستاذية محمد أحمد المحجوب وثِقله السياسي في حزب الأمة فطالبه بالتنحي من رئاسة الوزراء، فرفض المحجوب، فقام الصادق بشق الحزب وعقد إئتلاف مع الحزب الوطني الاتحادي في 25 يوليو 1966م، وأصبح المحجوب من زعماء المعارضة في البرلمان! تحمل الصادق مسئولية إنفضاض الحكومة الإئتلافية في العام 1967م، وفضل أن يخوض إنتخابات العام 1968م بأحد أجنحة حزب الأمة! ومن أجل مجده الشخصي رفض أن يرتدي الأنصار زي الجيش السوداني، وأبقاهم بزيهم التقليدي المميز الشئ الذي جعل إصطيادهم سهلاً للغاية بالنسبة لأمن النميري وقوات الجيش النظامي، وهو الشئ الذي وصفه العميد عثمان محجوب الغوث؛ الملحق الثقافي بالسفارة السودانية بإنجمينا بالقول: "الأولاد المساكين ديل جابوهم ناس الصادق، العاصمة ما عارفنها، و بدون دعم و أكل. و الله فجخناهم بالمدرعات"![7]



الصادق المهدي شق صفوف المعارضة الحالية بسبب عدم رضاءه عن إسم تحالف المعارضة (قوى الإجماع الوطني) وكان مبرره بأن الإجماع لم يحصل أصلاً، وأنه يجب على المعارضة تسمية تحالفها بأي إسمٍ آخر، وإقترح إيجاد تسمية جديدة تناسب الواقع![8]. قبلها قام الصادق بشق صف التجمع الوطني الديموقراطي عندما أنسحب من رئاسته عام 1996م ليوقع إتفاقية جيبوتي مع البشير في 26 نوفمبر 1999م. شق الصادق كل التحالفات التي قامت بعد ذلك وذلك لأنه لا يستطيع الترفع عن الصغائر والتمترس خلف مصالح أسرة المهدي التي تحتكر مناصب حزب الأمة. لماذا يدافع الصادق عن البشير مضحياً بكل سمعته وماضيه السياسي؟ لقد تماهى الصادق المهدي مع قادة الإنقلابيين لدرجة إنه قال ذات يوم: "عمر البشير جلدنا وما بنجر فيهو الشوك"! الصادق المهدي يحب المقدمة دوماً، وإن كان فيها هلاكه ومن معه، وهو ما دعى منصور خالد لأن يقول عنه: " هذا الصادق لو رأي الناس يسيرون خلف جنازة لتمني لو كان هو المحمول علي هذا العنقريب!".

الصادق المهديوعمر البشير ... السلف يرحب بالخلف

الصادق المهدي رغم كل إخفاقاته المتكررة والمتشابهة طوال الخمسة والأربعين عاماً الماضية إلا إنه يريد التمسك بالزعامة حتى آخر رمق في حياته، وهو من الغرور بحيث أدّعى في شبابه بأن روح المسيح قد تمقصته لأنهما ولدا في يومٍ واحد، وهو يوم 25 ديسمبر! الصادق لا يريد الإصغاء للشباب حزب الأمة ويحب إحتكار كل المناصب في يد أسرة المهدي. الإمام الصادق يُقدم المحاضرات والندوات عن محتكري السلطة وهو متمشبث بما يشبه الحق الإلهي في حكم السودان وزعامة حزب الأمة. الأستاذ محمود محمد طه قال ذات مرة بأن "الثقافة سلوك"، ونضيف بأن الديموقراطية كذلك سلوك وليست شعارات تُطلق في الندوات وتُدبج بها المقالات. وجزء من مساهمة الصادق المهدي في دعم مسيرة الديموقراطية يتطلب تنازله الطوعي عن زعامة الحزب ومساعدة الجيل الجديد في تولي القيادة بما لديه من خبرة، فدور الدكتاتور المُستنير أصبح لا يليق بالصادق المهدي وهو في هذا العمر. ماهتير محمد صنع النهضة الماليزية ولم يرد أن يكون دكتاتوراً أو أن يجعل الناس منه نصف إله أسطوري فتنحي عندما أحس بأنه أدى دوره. أما نلسون مانديلا فلم يمّتن على شعب جنوب إفريقيا بسجنه طوال 27 عاماً في جزيرة روبن بل إكتفى بفترة رئاسية واحدة فقط فإنحى كل العالم إحتراماً له. في خلال الخمسة والأربعين عاماً الماضية تم إختراع الفاكس والموبايل والإنترنت، وعادت ألمانيا موحدة بعد إنقسامها، وإنقسم السودان بعد وحدته، ولكن الصادق المهدي باقٍ في مكانه، متشبثاً بالزعامة.




[1] طلال الناير، الرؤية البائنة في إنتكاسات الإتحاديين والمراغنة، المدونة – 27/4/2012م.
 [2] يوشيكو كوريتا، علي عبد اللطيف وثورة 1924م، ترجمة علي النعيم
[3] كمال الجزولي، المهدي والترابي والخلاف علي إلتهام الموز السياسي، موقع الإلكتروني لقناة الجزيرة -  19/1/2012
 [4] عبد الرحمن فرح، صحيفة السوداني – 28/3/2011م
 [5] شوقي بدري، اللواء فضل الله برمة ،عبد الرحمن لم يكذب، الحلقة الثانية، صحيفة الراكوبة الإلكترونية – 10/1/2012م
 [6]  الفاضل عبد الله المهدي، حكاية العميد الراحل محمد سعد، الحلقة السادسة، صحيفة التيار
 [7]  شوقي بدري، اللواء فضل الله برمة ،عبد الرحمن لم يكذب، الحلقة الثانية، صحيفة الراكوبة الإلكترونية – 10/1/201  
 [8]  الصادق المهدي، ندوة في ذكرى الأحتفال الذكري الـ 56 لإستقلال السودان، دار حزب الأمة – 1/1/2012م