Saturday, March 5, 2011

هروب - طلال الناير


"تباً..! متى أخرج من هذا القبر المغلق الخانق؟ ..إن هذه القذارة التي تحيط بي تكاد تفقدني صوابي" .. قلت ذلك وأنا أتحسس ذلك الحبل الذي يشدني إلى قاع القبر الكئيب."تحسست جدران سجني بأظافري... إنه، إنه رخو من الداخل. و رغم ذلك فلا أستطيع الخروج. ركلت الجدران بكل قوتي.. و لكنه امتص ركلتي كأن شيئا لم يكن. عندها أدركت عجزي عن الهروب من هذا السجن الضيق الذي يطبق على أنفاسي!! 

انتظرت طويلا المعجزة التي ستخرجني من هذا القبر. لكن انتظاري طال.. يئست .. ولكن فجأة هزت جوانحي ثورة دفعتني للاحتجاج .. ركلت الجدران مجدداً.. و لكن شيئاً لم يحدث.. بعدها أصبحت أركل الجدار من حين إلى آخر كنوع من التسلية وطرد الملل! فجأة، جاءتني ضجة من الخارج. بهر عيني شعاع من النور.. ذهلت.. بلا مقدمات وجدت نفسي مندفعاً إلى الخارج من دون إرادتي.. صدقاً.. فإنا مصعوق من هول المفاجأة.. لقد كان سجني يلفظني خارجاً بكل قوته!

أول ما خرج هو رأسي.. الدماء والسوائل التي كانت تغشي عيني من رؤية طريق الخروج.. لكن نسمة من الهواء العابق برائحة قوية أعطتني دليلاً على أنني في طريق الخروج وأنني أصبحت قريباً جداً من الهروب.

لقد كان خروجي عنيفاً من ذلك السجن الذي ظننته أبدياً قبل الآن.. نزلت قطرات الدماء من عيني .. بهرت عيني تلك الإضاءة التي تأتي من أعلى. ما هذه الغرفة الغريبة!؟ .. و من كل هؤلاء الناس؟! و لماذا يلبسون هذه الملابس الغريبة؟ .. لماذا يضعون تلك الأقنعة على أنوفهم، هل يا ترى يحاولون تجنب رائحتي الكريهة؟

تدافعت الأسئلة في رأسي بسرعة.. و كان أسرع منها الأمل الذي بدأ يخفق بين ضلوعي. لقد اقتربت كثيرا من الخروج .. و هيأت قدمي للركض في طريق الحرية. و (لكن).. تباً لهذه الكلمة.. لقد أمسكت يدان قويتان قدماي بقسوة و رفعني ذلك الرجل عالياً في الهواء... رفعني بقوة حتى أن بعض الدماء التي كانت تغطي جسدي رحلت بسرعة لتستقر على ذلك الفراش الأبيض !!

بدأت ذخيرتي من الشجاعة في النفاذ بعدما رأيت ذلك الحشد الضخم وهو يحيط بي. . كلهم يرتدون نفس الملابس والأقنعة. . لا يظهر منهم إلا عيونهم الجاحظة التي التهمتني التهاماً.. خارت قواي أمام ذلك الحشد الكبير وأدركت حينها أن خروجي من ذلك السجن ما هو إلا فاتحة المصائب. قطع مناحتي صوت ذلك الرجل الذي طوح بي في الهواء وهو يقول مخاطبا الحشد بعدما وضعني على يديه:
"مبروك عليكم.. المولود ذكر"

No comments: