Thursday, June 16, 2011

كاريكاتير صحيفة الإنتباهة؛ سرقة أدبية أم غنيمة حرب؟



راشد كصطفي بخيت

في السنوات الأخيرة من عمر المجتمع السوداني، برزت ظاهرة السطو الأدبي طافية بشدة إلي سطح المشهد الأدبي والسياسي، فالبعض ينتحل مقطعاً من كتاب معروف وينسبه إلي نفسه! دون أن يكلف نفسه عناء اتباع طرق الثبت العلمي المعروفة أوحتي الإشارة الصحفية العارضة للجهة التي تم النقل منها كتاباً كانت أم مصدراً آخر. والبعض الآخر ينتحل فصلاً كاملاً من كتاب تحركه قناعة ربما بفحوي المثل السوداني الشهير (أكان سرقتة أسرق جمل)!. وتلاحظ ازدياد هذه الظاهرة، مع تكاثر مواقع النشر الإليكتروني السودانية التي ملأت الأسافير هولاً بالغث والثمين من الكتابات والكُتَّاب الذين لا وازع يحول بينهم وبين ارتكاب مهنة الكتابة سوي (باسويرد) إسفيري تمنحه لك إدارة ما دون أدني معايير أو سابق معرفة باسهام عام أو تخصص في مجال معلوم للقاصي والداني يؤهلك لنيل إجازة الفتوي في حقلٍ ما - بالطبع لا ينطبق هذا الكلام علي معظم المواقع، فالبعض منها تحكمه لوائح وتقابل العضوية التزامات كثيرة ذات صلة بقواعد التحاور والكتابة بوجه عام - وفي أحيان أُخر تنتفي ضرورة هذا الباسويرد نفسه كما في حال (حيطة الخواجات) تلك، )))المسماة (فيس بوك
فما عليك في هذه الحالة إلا أن تدخل لتصنع لنفسك عضوية يتم بموجبها تتويجك ملكاً علي مملكة الكتابة المغلوبة علي أمرها، تفتي في ما تشاء وفي من تشاء دون أن يطرف لك جفنٌ أو تتحسس مسؤولية تجاه ما تفعله ويفعله معك آخرون.
ومصطلح (حيطة الخواجات) هذا له قصة يطول شرحها، لكنه يستهدف وصف حالة المشابهة بين (الفيس بوك) وبين عادة سودانية قديمة ضربها بعبع الزوال مع اختلاف اهتمامات الطفولة في عصرنا هذا. فسابقاً كان الصبية والمراهقون في الأحياء السكنية الشعبية والمتوسطة، يزاولون متعة الكتابة علي الحائط بلصوصية بالغة، يصورون عبرها أشواقهم للتعبير عن إعجاب بفتاة ما من فتيات الحي، أو يسيئون بها لأخري، فتكثر عبارات من شاكلة: (أحب فلانة الفلانية) و (فلانة أم شعر) و (ست فلانة السمحة) وخلافها من عبارات يستولدها احساسهم بمشاعر الكبت الإجتماعي وتراتب طبقات المجتمع والخوف من التربية الجماعية التي كان يمارسها المجتمع علي أي فرد من أفراده، فتضع أوزارها في اختراع وسيلة أكثر أمناً من المباشرة تشهر بشخصية معينة وغالباً ما تكون إمرأة.

الفيس بوك يقوم بدوره مقام هذه الحيطة التي لا وازع لها، يتسلق بنيانها كل من تسول له نفسه رغبة في الكتابة، ويتفيأ ظلها كل صاحب غرض عاطل عن الموهبة، بأسماء حقيقة تارة وأخري مستعارة وبحساب واحد مرةً وبأكثر منه مرات عديدة. يكتبون ما يحلو لهم من كلام ويتنفاكرون حول أضخم القضايا والمصطلحات عبر (قوقلة) الموضوع مثار النقاش والتنايز في العام والخاص. لذلك فهو يقوم مقام (حائط الخواجات) الإفتراضي كما في حلة مشابهته لحائط مبكي نزعات طفولتنا الشقية ذاك، لكنهم لا يسيئون استخدامه بمقدار ما نفعل نحن زمرة مستهلكي الجاهز من صناعات غيرنا! وبأسوأ الطرق التي لا
.تفيد في شئ

في الأسبوع الماضي أدهشتني (قوة عين) رسام كاريكاتير صحيفة الإنتباهة، الذي نقل نقلاً شبه حرفي عمل كرتوني للكاريكاتيريست الرائع (طلال الناير)
ونسبه لنفسه بعد إضافة كلمتين عليه! وبطريقة أسوأ من ما جاءت به في الأصل المنتحل. كاريكاتير طلال نشر بصحف ومجلات مختلفة داخل وخارج السودان في نفس الوقت، فقد نشر في صحيفة (دون كيشوت) الألمانية، وصحيفة (أجراس الحرية) السودانية، وصحيفة صربية أخري بتاريخ 19-2-2009، مما يؤكد أيلولة ابتكاره كاملةً لمخيال طلال الناير الشرس بعد مقارنة تاريخ نشر العملين. فالكاريكاتير الآخر قد نشر في شهر أكتوبر بصحيفة الإنتباهة من هذا العام، أي بعد ما يزيد عن أكثر من العام ونصفه من تاريخ نشر الأوّل، ونشره بالانتباهة الكاريكاتيرست فايزمحمد الحسن! ودونكما الصورتين للمقارنة بينهما!

خطر ببالي وأنا أعقد هذه المقارنة بين العملين ما خطه قلم الأستاذ كمال الجزولي بروزنامة سابقة له صدرت في صحيفة الأخبار بتاريخ 11 يوليو 2010، تَفَكَّه فيها من سرقة الإسلاميين الأدبية لبعض أعماله ذكرها في الروزنامة التي سبقت هذه الشاعر والأستاذ عالم عباس محمد نور رئيس اتحاد الكتاب السودانيين بعد أن كشف موقع إليكتروني يسمي (لصوص الكلمة) حادثة اعتداء (مُتدين) كويتي (سلفي) يدعي (الشيخَ!) حامد العلي، حيث أقدم، بكلِّ حُمرة عين، حسب وصف كمال الجزولي على سرقة أجزاء بأكملها من مقالةٍ له بعنوان (لاهوتُ البيت الأبيض)، المنشورة بصحيفة (الرأي العام) السودانيَّة عام 2004م، وكذا مقالات لثلاثة كتاب عرب آخرين، دون أن يكلف خاطره بالإشارة إلى أيِّ واحد منهم ولو في هوامشه!

موقع (لصوص الكلمة) نفسه بحسب كمال، كان قد (قبض)، أيضاً، على فهمي هويدي بالجرم المشهود، حيث انتحل أجزاء بأكملها من كتاب الشيخ يوسف القرضاوي، الموسوم بـ (الإسلام والفن)، والمنشور في موقعه على الشبكة العالميَّة، وضمَّنها مقالته (نظرة في جماليَّات القرآن الكريم)، المنشورة، في 8/12/2004م، بموقع (الشبكة الاسلاميَّة)، نقلاً عن مجلة (المجلة)، دون أن يشير إلى القرضاوي لا من قريب ولا من بعيد! فما كان من كمال إلا أن همَّ ساخراً، متفكهاً، من ما حدث، مضيفاً إلي قوله أن البادي من سلوك هؤلاء الاسلامويين أنهم يعتبرون النتاج الذِّهني لبعضهم البعض (مرابحة)، أو ربَّما (مشاركة)، بينما يعتبرون النتاج الذِّهني لأمثاله من الشِّيوعيين (فيئاً) أو ربَّما (غنيمة حرب)!

وفي حالة طلال الناير وصحيفة الإنتباهة ورئيس تحريرها (المتدين) أيضاً، ولمزيد من التفكه يلزمنا التعليق علي أمرين:
أولهما أن حقل الكاريكاتير السوداني يحتاج إلي موقع (شيَّال) حال كموقع (لصوص الكلمة) ذاك يتربص بعديمي الموهبة وخفراء اجترار الرسم وكل من تسول له نفسه سرقة مجهود الغير، كي ما يفضح جدب مخيلتهم ويؤكد علي إدقاع فقرها من الفن والإبتكار وكذا من الأخلاق أيضاً! نقترح أن يسير علي ذات منوال الموقع السابق ويصبح إسمه (لصوص الكاريكاتير). خصوصاً وأن العالم العربي شهد ظواهر متكررة لهذه السرقات كان أكثرها صيتاً سرقات كاريكاتيرات (صلاح جاهين) الشهيرة.

الأمر الثاني نستفسر فيه صحيفة الإنتباهة عن وضع (طلال الناير) دينياً في هذه الحالة، باعتبار أنه ليس شيوعياً ككمال الجزولي حتي تستحيل سرقة أعمالة الفكرية ضرباً من ضروب (غنائم الحرب)، ولا هو (إسلامي) كفهمي هويدي يصح في وضعه استخدام صيغ (المسارقة) و (الملاصصة) تلك، فأين يقع بالنسبة لبيت مال (الإنتباهة) خراج رجلٌ من غمار الموالي سُرق رسمه في وضح النهار، دون أن يخرج علي الملة وتركبه لعنة ميراث الأحياء؟

No comments: