Tuesday, June 14, 2011

فى شأن ما تشابه علينا من الكاريكاتير

على فترات متقطعة كنت أناقش مع الفنانين نادر جنى والريح أمبدى موضوع الرسومات الكاريكاتيرية المتشابهة وبعض اقاويل عن بعض السرقات الفنية، وقد وجدت تبايناً وإختلافاً بين أفكارنا حول هذه هذه الظاهرة الدخيلة على الفن الكاريكاتيرى، وكسراً لطريقة نقل افكار شفاهة والآراء التى تبقى حبيسة المقاهى و الصالونات ودواخل الصدور، لذا فأنا أسجل هنا مسودة مبدئية 
لآرائى فى الموضوع للتوثيق وللمزيد من النقاش والتفاكر.

كمدخل أولى سباب تشابه بعض الأفكار الكاريكاتيرية فأنه يمكننى وضع تصورى الشخصى لمصادر الفكرة الكاريكاتيرية والتى على أساسها سوف أشرح وجهة نظرى المتباينة والمختلفة عن رؤية جنى وأمبدى لما تشابه علينا من الكاريكاتير. مبدئياً يمككنى أن أضع تصنيفى الخاص لمصادر الفكرة الكاريكاتيرية وأصنفها إلى خمسة أقسام وهى: بناء الرسم على المفارقة اللفظية، نقد الحدث السياسى انى، تحوير الرموز والصور، ثم اقتباس من المنتوجات ابداعية اخرى وأخيراً خلق الفكرة الأصلية.

توجد مدرسة كاريكاتيرية فى الكاريكاتير الصحفى ينتمى إليها قطاع كبير من رسامى الكاريكاتير، والسودانيين جزء منهم، وهى مدرسة بناء الفكرة الكاريكاتيرية على المفارقة اللفظية والمحكى من الكلام، وهى متمثلة فى عدة أشكال خراج الفكرة وكل تلك التفريعات تُبنى فى أغلبها على قوة النص فى الكاريكاتير أكثر من تعبيرية وتماسك وقوة خطوط الرسم. البعض يقوم بإستخدام عبارات معروفة للجميع ويقوم ببناء الفكرة عليها وذلك مثل إستخدام امثال الشعبية وكلمات بعض اغانى واشعار و "سربعة" بعض الكلمات حداث المفارقة فى الكاريكاتير. على سبيل المثال، يستخدم السودانيون عبارة "تفصيل القوانين" كثيراً وهى تستخدم على مستوى رجل الشارع وكتاب الصحف بكثافة، لذلك نجد بعضاً من الرسومات الكاريكاتيرية المبنية على هذه العبارة وهنا الرسومات المتشابهة لا تكون سرقة أدبية بقدر ما هى كسل من الفنان فى خلق فكرة جديدة.

ومثال آخر على الفكرة الكاريكاتيرية المبنية على المفارقة اللفظية هو إستخدام كلمات اغانى كـ(عضم) للكاريكاتير. هل يمكننا أن نتخيل كمية الرسومات الكاريكاتيرية التى قد تتناول إنتصار فريق الهلال لكرة القدم فى إحدى المبارات، أفكار المبنية على أغنية (الهلال هلا) مثلاً؟ بمراجعة أرشيف الصحف على مر السنين سنجد أن هناك عشرات الكاريكاتيرات المبنية على مقاطع غنائية مشهورة، مثلاً شاع فى السودان كاريكاتيراً رسم موظف (فلسان) وهو يقف بالقرب من شباك الصرف والموظف يغنى بالعود أغنية المقطع الغنائى فيها يشير إلى رجاء أو عتاب على الغياب أو فرحة بحضور المرتب، والصراف كذلك!
القليل من العصف الذهنى قد يوصلنا إلى العديد من الكاريكاتيرات المتعددة اشكال ولكنها كلها منسوجة من بكرة خيط واحدة.

الصنف الثانى هو الكاريكاتيرات المبنية على نقد الحدث السياسى انى، وهذه الطريقة قد تجعل بعض رسامى الكاريكاتير فى الصحف اليومية تدور أعمالهم حول فكرة واحدة هى ابرز على الساحة السياسية. فإذا قمنا على سبيل المثال برصد الرسومات الكاريكاتيرية التى تتناول فترة ما قبل إستفتاء إستقلال جنوب السودان فنجد نسبة مقدرة منها مبنية على فكرة رسم السودان منقسماً إلى قسمين، أو هنا سكين أو منشار يقسم البلد إلى نصفين، أو أن هناك يدان إثنان تسحبان البلد فى إتجاهين مختلفين وغيرها. وهى كلها رسومات قد تبدو متشابة نها ترسم الحدث انى فقط ولا تتناول بالنقد اسباب المنطقية التى أدت إلى حصول الحدث، وهى أيضاً لم تتناول توابع ما بعد الحدث.
الرؤية الكاريكاتيرية لرسم حدث ما قد تأتى للجميع متشابهة ولكن الرأى الشخصى فى الحدث وتحليله لا يمكن ان يكون متطابقاً ن المرجعية ايدولوجية واخلاقية لكل فنان تختلف عن اخر وهنا يأتى الفرق. مثال آخر، إذا راجعنا أرشيف الرسومات الكاريكاتيرية التى تناولت حادثة رشق الرئيس امريكى جورج بوش بالحذاء عام 2008 فإننا سنجد المئات من الرسومات المتشابهة، ولكن أكثر الرسومات التى شاهدتها كانت مكررة وترسم المشهد الشهير تصويراً أكثر مما تقدم رؤية نقدية له، ومن الرسومات التى تكررت كثيراً عن حادثة الزيدى، خصوصاً فى بعض الصحف العربية، هو رسم يصور دخول إعلاميين إلى مؤتمر صحفى حفاة بدون أحذية، والرسم الأخير يمكننا أن نضع ضمن صنف الكاريكاتير المبنى على المحكى من الكلام، فقد سبقت هذا الكاريكاتير نكتة شاعت وسط المنتديات العربية بنفس الفكرة فقام بعض رسامو الكاريكاتير العرب بتنفيذها كما هى بدون أى إضافات.

من اساليب الشائعة فى الرسم الكاريكاتيري هو إحداث مفارقة بصرية عبر تحريف الصور والرموز وكمثال لذلك نجد مئات واف الرسومات الكاريكاتيرية المبنية على تحوير نجمة داؤود أو العلم امريكى أو تمثال الحرية أو صليب النازية المعقوف وكذلك شعار الشيوعية المتمثلة فى المطرقة والمنجل أوالنجمة والهلال كرمز للدين اسلامى وغيرها من الشعارات. البعض من الزملاء الفنانين لا ينتبه لمدى تكرارية إعادة رسم نجمة داؤود بإستخدام عظام أو شعار القراصنة أو الصليب المعقوف. كذلك رسم تمثال الحرية كشعار مريكا وفى يده هراوة أو سلاح فتاك. إستخدام الرموز والشعارات بدون تجديد وبإستسهال يضيف المزيد من الرسومات المتشابهة إلى أرشيف الكاريكاتير والتى قد تضع بعض الرسامين بدون قصد منهم فى خانة سارقى افكار.
يتبع بعض الرسامون أسلوباً فنياً أحبه للغاية وهو اقتباس من المنتجات ابداعية اخرى. بالنسبة لى، فأنا أرى فى هذا اسلوب مؤشراً على ذكاء الفنان وسعة إطلاعه وتماسه مع فنون إبداعية أخرى كالرواية والفلسفة، التصوير، السنيما، المسرح والمثولوجيا والقصص الدينية وغيرها، وكما يعبر هذا السلوب عن قوة ثقافة الفنان فإنه أيضاً يؤكد على ثقته فى ثقافة الملتقى ومراهنته على ذكاءه.

من أمثلة اقتباس الكاريكاتيرى من الصنوف ابداعية اخرى هو تلك الرسومات المبنية على صورة فتوغرافية شهيرة، مثل صورة الرجل الصينى مجهول الهوية والمعروف عالمياً بأسم (تانك مان)، الرجل الصينى المجهول كان يحمل كيسين من النايلون ووقف بجسده أمام ثلاثة دبابات ضخمة وتحداها بإصرار مما أجبرها على التوقف فى قلب ميدان تيانمين عام 1989. الصورة الأكثر شهرة للحدث إلتقطها المصور الأسوشيد برس امريكى جيف واندرز، هذه الصورة جعل الـ(تانك مان) المجهول من ضمن أقوى 100 شخصية غيرت العالم فى القرن العشرين حسب مجلة التايم الأمريكية . من الصور الشهيرة التى بنيت عليها بعض الرسومات الكاريكاتيرية هى صورة إحتراق برجى التجارة، وصورة مقتل أرنستو تشى جيفارا وصور متعددة لفنان المدرسة السيرالية سلفادور دالى.

هناك أيضاً رسومات مقتبسة من لوحات تشكيلية مثل لوحة "درس التشريح" لـ رامبرانت،الموناليزا" للفنان ليوناردو دافنشى، "خلق انسان" للرسام الإيطالى مايكل أنجلو و"الجيرونيكاللفنان الأسبانى بابلو بيكاسو، ولوحة "الصرخة" للفنان النرويجى إدفارت مونك . أما على صعيد الرواية فنجد اقتباسات الكاريكاتيرية من روايات كـ" دون كيشوت" لـ سرفتيس، "تاجر البندقية" لـ وليام شيكسبير وغيرها. من افلام نجد الـ"تايتانيك" و"العراب" وغيرها.

وهناك بعض الرسومات مقتبسة من مثيولوجيا وقصص أسطورية كـ "أسطورة إغتصاب أوروبا" التى إستخدمها على سبيل المثال الكاريكاتيرست الفرنسى ميشيل بلانتو عام 1995 للتعبير عن خطورة إنتشار مرض جنون البقر فى القارة الأوروبية، وفى اسطورة اغريقية يتحول زيوس إلى ثور ابيض كانت تلاعبه أوروبا حتى قام بإختطافها والركض بها تجاه البحر ابيض المتوسط فسبح بها إلى جزيرة كريت وهناك قام بإغتصابها وكان النتاج ثلاثة اطفال ولدوا سِفاحاً. فقام بلانتو بتصوير مرض جنون البقر ومدى إنتشاره فى ذلك الحين كأنه قد قام بإعادة بعث الأسطورة وقصة الثور المجنون مع أوروبا الوديعة.

من الميثولوجيا الإغريقية التى قام بعض فنانى الكاريكاتير باقتباس عنها أسطورة (سيزيف) الذى قام بخداع (سانتوس) إله الموت وتكبيله، فقام كبير الإلهة زيوس بإلزامه بعقاب أبدى وهو بأن يدحرج صخرة عظيمة من سفح الجبل إلى قمته، وتمثلت مأساته أن سيزيف عندما كان يصل إلى قمة الجبل كانت الصخرة تسقط مجدداً نحو القاع ويظل يحاول فى دفع الصخرة العظيمة إلى أن تعاود السقوط فى القاع مرة أخرى، وأثناء هذه الرحلة المريرة كانت الطيور تأكل كبد سيزيف الدامى. ومن هنا أصبح سيزيف رمزاً للعذاب الأبدى، وذلك أن البشرى سيزيف ظن بأن ذكاءه سيفوق مكر الإله زيوس وهو ما سيجعله ندياً متحدياً للإلهة. ومن القصص الدينية التى ألهمت بعض فنانى الكاريكاتير، والغربيين بصفة خاصة، هى قصة عبور موسى وبنى إسرائيل البحر الحمر، وقصة سفينة نوح والفيضان العظيم، وصلب المسيح والسمكة التى إبتلعت يونس وغيرها.

مجمل الفكرة فى شأن اقتباس من المنتجات ابداعية أنه مهما تعددت افكار المقتبسة من مصدر واحد إلا أنه من الصعب أن تتطابق اعمال الكاريكاتيرية ن إستعياب كل فنان وتفاعله مع أى نف إبداعى آخر سيكون مختلفاً عن اخرين، وإحتمالات تعدد افكار المتشابة يكون قليلاً ن هذا اسلوب الفنى يتطلب معرفة الفنان أولاَ بذلك الصنف ابداعى الذى قام باقتباس عنه، ومن بعد ذلك تأتى مرحلة استعاب والتفاعل ثم أخيراً تنفيذ الفكرة، وهى أشياء شخصية للغاية ومن الصعوبة بمكان أن تتشابه بين إثنين. فعلى سبيل المثال، كم هو عدد الرسومات الكاريكاتيرية المتشابهة التى قد تستهلم من مشهد وقوف الممثلة كيت ويسلون على سطح سفينة التايتانيك و ليوناردو دى كابيرو يصيح: “أنا ملك العالم"؟ هل يمكن لمن لم يقرأ أو يعرف قصة أنف الدمية الخشبية بينوكيو للمؤلف الإيطالى كارلو كولودى أن يبنى فكرة كاريكاتيرية عليها؟ ما هى إحتمالات تشابه فكرتين كاريكاتيريتين مقتبستين من لوحة الرجل الفيتوزى التى رسمها ليوناردو دافنشى؟
أخيراً، فإن أقوى أساليب الفكرة الكاريكاتيرية هو (خلق الفكرة اصلية) والتى يقوم الفنان بتنفيذ فكرة الرسم معتمداً فقط على خصوبة الخيال والعصف الذهنى والتفكير العميق، وفى هذا اسلوب فإن إحتمال تشابه الأفكار يقل كثيراً جداً، وهذا الشئ كما أظن واضح ولا يحتاج إلى الكثير من استرسال والشرح.
ما قمت به هو عمل ترتيب تصاعدى ساليب إستباط الفكرة الكاريكاتيرية فى تقديرى الخاص، ويمكننا تمثيل هذه النقاط فى شكل هرم قاعدته تمثل انتشارية العددية ومشاعية الفكرة، وكلما صعد إلى قمة الهرم فإن عدد التشابهات يقل ولكن قوة افكار تزيد، وهو ما يقلل من إحتمالا تشابه الرسومات كاريكاتيرية، وهو الشئ الذى يزيد من أصالة الرسم الكاريكاتيري، الأصالة التى تبعد مبتكريها عن منطقة تشابه ومشاعية افكار وبتعدهم كذلك من تهمة السرقة الأدبية والتى يسقط فيها بحسن النية بعض الفنانين نتيجة لعدم إهتمامهم بتطوير قدراتهم الفنية وصقل موهبيتهم وارتقاء بأفكارهم، وكذلك كسلهم من اطلاع على أعمال بقية زملاء الفن فى أرجاء العالم.
أعتقد بأن القضاء على ظاهرة الرسومات الكاريكاتيرية المتشابهة أو المسروقة يبدأ من حرص الفنان بإبعاد نفسه عن تلك المنطقة الخطرة وأن يجد لنفسه حافزاً يرفع به من سقف المنافسة مع "ذاته" من كل حين إلى اخر، وبالمنافسة يتطور انسان فى عالم فيه البقاء للأصلح. فنان الكاريكاتير ليس موظف حكومى مهمته ملء فراغ فى ورقة بيضاء بأى فكرة ضعيفة أو مقلدة، والكاريكاتيرست كاتب يرسم أفكاراً ورسام يكتب ألواناً.

2 comments:

ميسون النجومي said...

مقال جميل جدا
و تحليل نافذ
أخاف أن يترجم هذا التحليل إلى فكرة الإقتباس من الثقافة الغربية بحسب الأمثلة المضروبة
بما فيها رجل ساحة تيان مين، لأنها صورة أعيد إنتاجها في الذهن اليوروسينتريك
لكن الثقافة الشرقية، و الميثولوجيا غير الإغريقية و الرموز التاريخية (أحداث و شخصيات) و الأفلام
و التراث الشعر و الشعر المعاصر، كلها تدخل ضمن ما ذكرت من توسعة مجال الإبداع للفنان
و التحليل العميق للحدث السياسي كما ذكرت أيضا مفقود، إذ أنه يعتمد على التحليل المباشر للحدث دون ما أوصل إليه كما ذكرت
أو حتى ما النتائج المتوقعة منه .
و المشكلة الأساسية هي إنو الفنان يظن إنو مفروض يترجم توقعات المتلقي مش إنو يكسرها ... كأنها نكتة قديمة مشتركة بينهم ، و ده زي ما قلت عدم ثقة في ذكاء القارئ
و أخيرا المشكلة برضو في نظرة الفنان ليه نفسو كمعلق على الأحداث لا محللا لها ، كأن كل المتوقع من الفنان هو خلق كلييشيه أو افيه من الحدث الجاري، و الحدث الجاري ده زاتو مشكلة ، تحليل الخبر السياسي و الاقتصادي الأبرز ، عشان كدا بتلقى في الجرايد لو في خبر رئيسي كل الكاريكاتيرات مبنية عليه. في كسل برضو و إعتماد كامل من الفنان على السياسة التحريرية للصحف
مقال جميل يا طلال خلا الواحد يرغي

Anonymous said...

محاورة ممتازة , وموضوعية محترمة